GuidePedia

0
"هي المصائب لا تأتي فرادى كالجواسيس، بل سرايا كالجيوش" ربما جاء الدور لتتجدد مقولة الروائي ويليام تشيكسبيرعلى آسا، وليس من باب التهويل اقتران هذه المقولة بواقع حاضرة الإقليم التي يفترض أن تتوفر على الحد الأقصى من مؤشرات التنمية، وهي التي تُسَائِلُ حصيلة ستة وعشرين سنة من التأسيس والتنمية المتعثرة، التي لم تتمكن معها من تأمين أساسيات الاستقرار من ماء وكهرباء، ناهيك عن باقي الخدمات والبنيات التحتية، في الوقت الذي تتطلع فيه الساكنة لتدخل استثنائي في ظل الارتفاع الموسمي المفرط للحرارة التي تتجاوز 50 درجة مئوية.
قدر لهذه المدينة التي انتبذت مكانها القصي في إحدى أكبر واحات درعة، معزولة خلف سلسلتين جبليتين على مقربة من الحدود المغربية الجزائرية والمغربية الموريتانية؛ أن تعيش في الآونة الأخيرة على وقع الانتكاسات المتوالية، فبعد واقعة عزلة عاشتها المدينة بفعل انهيار على مستوى فج أمزلوك الذي يَعِدُ دائما بالانهيار ولا يُخلف وعده . دون أن تجد الجهات الوصية الحل لتجاوز الوضع بشكل نهائي. تطالعنا مواقع التواصل الاجتماعي بعشرات الأشرطة والصور؛ توثق لمجزرة في حق الحياة البرية بالمنطقة، أبطالها ضيوف ساديون من دولة قطر الشقيقة، ينتشون أمام شاشات الكاميرا بقضائهم على أسراب من الطيور النادرة، وقطعان من الغزلان والظباء والحيوانات المحظور صيدها، في الوقت الذي تتعرض
 فيه غابات وادي درعة لجرائم مماثلة حيث تجتث أشجار الأثل المخضرة في صمت مريب للجهات الوصية.
في هذا الخضم أتى الحريق الذي شب في واحة آسا يوم 28 يوليوز على جزء مهم منها، تاركا للجهات الموكول إليها حمايتها مهمة إحصاء الخسائر الفادحة المتمثلة في تلف أزيد من 2000 نخلة بفعل الاحتراق، ونفوق أعداد من الماشية، وتضرر منازل محاذية للواحة للسبب نفسه.
تدل المؤشرات الحالية على أن الحريق محض افتعال؛ لكونه شب في مناطق متباعدة في وقت قياسي، ولكون المنطقة لم تعرف حريقا بهذا الحجم قط مع وجود الظروف نفسها. وفي انتظار ما ستأتي به تحقيقات الدرك الملكي في الواقعة؛ لا بد من التأشير على أن حرارة الجو كانت عاملا مساعدا على انتشار الحريق في مجال تراكمت فيه أنواع الحشائش 
والنفايات، ونخيل لم يخضع للتنقية منذ سنين. يضاف إلى ذلك عدم توفر الواحة على مسالك كافية، ولا على نظام إطفاء الحرائق، ولا حراسة. إذ لم تأخذ أي جهة الأمر على محمل الجد بما فيها برنامج تأهيل الواحات، رغم ضخامة الاعتمادات المرصودة لتأهيل واحات أسا، ولا المجالس المنتخبة فعلت ذلك. ولم يتم استكمال ترميم المسالك؛ بدعوى التعرض، رغم أن القانون قال كلمته في هذا الباب. وتوقفت عملية تنقية النخيل رغم أن البرنامج نص على مبدأ الاستمرارية.
وبالعودة إلى كارثة الحريق الذي كان بالإمكان تفاديه أو الحيلولة دون وقوع خسائر فادحة لو توفرت على نظام للمراقبة، أو لو تم تجهيز الواحة بأعمدة الحرائقpoteaux d’incendie  وهذا الأمر من اختصاص المجلس البلدي أساسا، ويسهل عملية التدخل الفوري والناجع لعناصر الوقاية المدنية التي أبلت البلاء الحسن وآزرتها في ذلك فرقة القوات المسلحة وفرقة القوات المساعدة والدرك ومدنيين.
أمام غياب محاور لعبور الشاحنات، وغياب أعمدة الحرائق تمت الاستعانة بالأواني المنزلية من أجل إيصال الماء إلى أبعد نقطة ممكنة. في مشهد ذكرنا بآخر؛ عندما تم شفط ماء الأمطار بوسائل بدائية بأحد أكبر ملاعب العاصمة، أو ما بات يعرف بحادث 
"الكراطة"، والفرق أن مصيبتنا لم تكن باعثا على السخرية من استعمال "السطل" كما حدث مع الكراطة، لأننا واجهنا النار والدمار، بينما كانوا مغتبطين بغزارةالأمطار.
سعيد عدي



إرسال تعليق

 
Top